26 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | استمارة فؤاد حداد

إيقاع مختلف | استمارة فؤاد حداد

(أرشيف المشهد)

10-2-2015 | 21:32

تسألنى ما أكثر ما تحتاج إليه مصر حقاَ، أقول لك : ثورة إدارية حقيقية، تهز عروش الروتين التى ترسخت واستعلت، ودانت لها رقاب العالمين.

نعم مصر بحاجة إلى ثورة إدارية تطرد خفافيش المعطلين التى عششت فى ظلمات الأدابير الروتينية، وصار "الطبل البلدى" عاجزاً عن أن يطردها من مساكنها التى تأوى إليها، بل تلتصق بها.

فى كل بلاد الله التى تحترم نفسها وتحترم مواطنيها وتحترمها الدنيا، هناك وقت معلوم سلفاً وطريق معروف سلفاً لقضاء أية معاملة حكومية، وهناك تقدير لا يخطىء لطبيعة الجهد الذى عليك أن تبذله، وللمال الذى عليك أن تدفعه، وللوقت الذى ينبغى أن تنفقه لقضاء معاملتك.

أما نحن، فلا الجهد يعنى شيئاً، ولا الوقت يمثل شيئاً، ولا المال له أى تقدير، المعاملة الواحدة يمكن أن تنفق فى قضائها أسابيع عدة، وعدة ألوف من الجنيهات، ناهيك عن الجهد الذى يمكن أن تبذله، لأن الأبواب كلها تبدو مغلقة، لا سبيل إلى فتحها.

والمعاملة ذاتها، يمكن أن تنقضى فى دقائق معدودة، وبلا جهد تقريباً، وبمال لا يكاد يقارن بالحالة الأولى، وأنت لا تعرف لماذا:  أهى ضربة حظ؟ أهو موظف متسع الأفق تصادف أنه جالس إلى المكتب الذى ذهبت إليه؟ أهى توصية سبقتك إلى هناك فصارت كل المستحيلات ممكنة، وأصبحت القوانين واللوائح هينة لينة سمحة متعاونة؟ أم هى الأوراق النقدية وقد حولت مسارها من الطريق الفوقى المعلنى إلى الطريق السفلى الخبىء؟

الأبواب التى بدت فى الحالة الأولى محكمة الإغلاق، ها هى ذى تفتح بيسر وسهولة وكأنها تعمل بالموجات الكهرومغناطيسية المطيعة، والقوانين التى كانت تشيح عنك بوجهها فى أنفة وكبرياء وعناد ومكابرة، ها هى ذى تتحدث عن روح القوانين التى ينبغى أن تسبق نصوصها وتعلو عليها، والنظرة المتربصة التى كانت فى عين الموظف وهو يراجع أوراقك التى حصلت عليها بعد عناء، باحثاً عن توقيع لا يعجبه أو خاتم يراه تحرك عن موضعه الذى يجب أن يسكنه ميلليمترات، أو رقم طال أحد نتواءاته يمنة أو يسرة، ليجبرك على أن تعيد الرحلة من جديد، هذا الموظف هو هو الذى يحدثك الآن على أنه لا حاجة لكل هذه الأوراق وكل هذه التوقيعات وكل هذه الأرقام.

أعجب ما فى الأمر أنك أنت أيضاً موظف حكومى، سوف تنسى كل هذه المعاناة، وكل ما طالبت به من سماحة وتسامح واتساع أفق، بمجرد أن تجلس إلى مكتبك الخاص لتقضى معاملات الآخرين، الذين هم بدورهم  يضمون عددا من الموظفين الحكوميين، وحتى لو تذكرت المعاناة ومطالباتك بالتيسير هناك، فسيتحول الأمر على مكتبك إلى لون من الانتقام والتشفى!!!

إذا كنا نعانى ظروفاً اقتصادية معقدة، فإن هذا ليس مبرراً لتأخير الثورة الإدارية، بل هو سبب يوجبها بدرجة أكبر، فالفقراء فى الدول كالفقراء فى البشر ليس لديهم ترف تبديد الوقت أو الجهد أو المال، فكل قرش له قيمة، وكل دقيقة لها معنى، وكل جهد ضائع هو ذنب فى رقبة مضيعيه.

تسألنى : ما علاقة هذا كله بفؤاد حداد واستمارته.... أنصحك بأن تدخل بنفسك إلى عالم فؤاد حداد وتبحث عن استمارته، وثق أنه لن يكون وقتاً ضائعاً ولا جهدا مبددا.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان